فصل: ومن باب دخول مكة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: معالم السنن



.ومن باب الفدية:

قال أبو داود: حدثنا وهب بن بقية عن خالد الواسطي هو ابن عبد الله الطحان عن خالد الحذاء، عَن أبي قلابة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن كعب بن عجرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر به زمن الحديبية فقال: «قد آذاك هوام رأسك؟» قال: نعم. قال: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «احلق ثم أذبح شاة نسكًا أو صم ثلاثة أيام أو اطعم ثلاثة آصع من تمر على ستة مساكين».
قلت: هذا إنما هو حكم من حلق رأسه لعذر من أذى يكون به وهو رخصة له فإذا فعل ذلك كان مخيرًا بين الدم والصدقة والصيام. فأما من حلق رأسه عامدًا لغير عذر فإن عليه دمًا وهو قول الشافعي وإليه ذهب أبو حنيفة.
وقال مالك هو مخير إذا حلق لغير علة كهو إذا حلقه لعذر.
وقال سفيان الثوري إذا تصدق بالبر أطعم ثلاثة أصوع بين ستة مساكين لكل واحد منهم نصف صاع فإن أطعم تمرًا أو زبيبًا أطعم صاعًا صاعًا.
قلت: هذا خلاف السنة وقد جاء في الحديث ذكر التمر مقدرا بنصف صاع كما ترى فلا معنى لخلافه وقد جاء ذكر الزبيب أيضًا من غير هذا الطريق بنحو هذا التقدير وذكره أبو داود.
قال أبو داود: حدثنا محمد بن منصور حدثنا يعقوب حدثنا أبي عن ابن إسحاق حدثني أمان، يَعني ابن صالح عن الحكم بن عتيبة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن كعب بن عجرة وذكر الحديث إلى أن قال: «قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم أحلق رأسك وصم ثلاثة أيام أو أطعم ستة مساكين فرقا من زبيب أو أنسك شاة قال فحلقت رأسي ثم نسكت».
والفرَق ستة عشر رطلا وهو ثلاثة أصوع. أمره أن يقسمه بين ستة مساكين فهذا في الزبيب نص كما هو نص في التمر.
وقال أصحاب الرأي نحوا من قول سفيان والحجة عليه وعليهم نص الحديث.
قلت: فإن حلقه ناسيًا فإن الشافعي يوجب عليه الفدية كالعمد سواء، وهو قول أصحاب الرأي والثوري ولم يفرقوا بين عمده وخطأه لأنه إتلاف شيء له حرمة كالصيد.
وقال الشافعي إن تطيب ناسيا فلا شيء عليه. وسوى أصحاب الرأي في الطيب بين عمده وخطأه ورأوا فيه الفدية كالحلق والصيد.
وقال إسحاق بن راهويه لا شيء على من حلق رأسه.

.ومن باب هدي المحصر:

قال أبو داود: حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن حجاج الصواف حدثني يحيى بن أبي كثير عن عكرمة قال: سمعت الحجاج بن عمرو الأنصاري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من كسر أو عرج فقد حل وعليه من قابل. قال عكرمة: فسألت ابن عباس وأبا هريرة عن ذلك فقالا صدق».
قلت: في هذا الحديث حجة لمن رأى الإحصار بالمرض والعذر للمحرم من غير حبس العدو وهو مذهب سفيان الثوري وأصحاب الرأي. وقد روي ذلك عن عطاء وعروة والنخعي.
وقال مالك والشافعي وأحمد وإسحاق لا حصر إلاّ حصر العدو، وقد روى ذلك عن ابن عباس وروي معناه أيضًا عن ابن عمر وعلل بعضهم حديث الحجاج بن عمرو بأنه قد ثبت عن ابن عباس أنه قال لا حصر إلاّ حصر العدو فكيف يصدق الحجاج فيما رواه من أن الكسر حصر.
وتأوله بعضهم على أنه إنما يحل بالكسر والعرج إذا كان قد اشترط ذلك في عقد الإحرام على معنى حديث ضباعة بنت الزبير. قالوا ولو كان الكسر عذرا لم يكن لاشتراطها معنى ولا كانت بها إلى ذلك حاجة.
وأما قوله: «وعليه الحج» من قابل فإنما هذا فيمن كان حجه عن فرض، فإنما المتطوع بالحج إذا أحصر فلا شيء عليه غير هدي الإحصار. وهذا على مذهب مالك والشافعي. وقال أصحاب الرأي عليه حجة وعمرة وهو قول النخعي. وعن مجاهد والشعبي وعكرمة عليه حجة من قابل.
قال أبو داود: حدثنا النفيلي حدثنا محمد بن سلمة عن محمد بن إسحاق عن عمرو بن ميمون قال: سمعت أبا حاضر الحميري يحدث عن ميمون بن مهران قال خرجت معتمرا عام حاصر أهل الشام ابن الزبير بمكة وبعث معي رجال من قومي بهدي فلما انتهينا إلى أهل الشام منعونا أن ندخل الحرم فنحرت الهدي بمكاني ثم أحللت ثم رجعت فلما كان العام المقبل خرجت لأقضي عمرتي فأتيت ابن عباس فسألته فقال أبدل الهدي فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه أن يبدلوا الهدي الذي نحروا عام الحديبية في عمرة القضاء.
قلت: أما من لا يرى عليه القضاء في غير الفرض فانه لا يلزمه بدل الهدي ومن أوجبه فإنما يلزمه البدل لقوله عز وجل: {هديا بالغ الكعبة} [المائدة: 95] ومن نحر الهدي في الموضع الذي أحصر فيه وكان خارجا من الحرم فإن هديه لم يبلغ الكعبة فيلزمه إبداله وإبلاغه الكعبة. وفي الحديث حجة لهذا القول.

.ومن باب دخول مكة:

قال أبو داود: حدثنا مسدد حدثا حماد بن زيد عن أيوب عن نافع «أن ابن عمر كان إذا قدم مكة بات بذي طوى حتى يصبح ويغتسل ثم يدخل مكة نهارًا ويذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه فعله».
قلت: دخول مكة ليلا جائز ودخولها نهارا أفضل استنانًا بفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه دخلها ليلا عام اعتمر من الجعرانة فدل ذلك على جوازه.
قال أبو داود: حدثنا هارون بن عبد الله حدثنا أبو أسامة حدثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: «دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح من كُدي من أعلى مكة ودخل في العمرة من كَدَاء».
كُدَي وكداء ثنيتان وكداء ممدودة قال الشاعر:
أنت ابن معتلج البطاح كديها وكداءها

.ومن باب رفع اليد إذا رأى البيت:

قال أبو داود: حدثنا يحيى بن معين أن محمد بن جعفر حدثهم، قال: حَدَّثنا شعبة قال: سمعت أبا قزعة يحدث عن المهاجر المكي قال: «سئل جابر بن عبد الله عن الرجل يرى البيت يرفع يديه فقال ما كنت أرى أحدا يفعل هذا إلاّ اليهود قد حججنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يكن يفعله».
قلت: قد اختلف الناس في هذا فكان ممن يرفع يديه إذا رأى البيت سفيان الثوري وابن المبارك وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه. وضعف هؤلاء حديث جابر لأن مهاجرًا راويه عندهم مجهول وذهبوا إلى حديث ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ترفع الأيدي في سبعة مواطن افتتاح الصلاة واستقبال البيت وعلى الصفا والمروة والموقفين والجمرتين». وروي عن ابن عمر أنه كان يرفع اليدين عند رؤية البيت وعن ابن عباس مثل ذلك.

.ومن باب تقبيل الحجر:

قال أبو داود: حدثنا ابن كثير أخبرنا سفيان عن الأعمش عن إبراهيم عن عابس بن ربيعة عن عمر رضي الله عنه «أنه جاء إلى الحجر فقبله، فقال إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك».
قلت: فيه من العلم أن متابعة السنن واجبة وإن لم يوقف لها على علل معلومة وأسباب معقولة وأن أعيانها حجة على من بلغته وإن لم يفقه معانيها إلاّ أن معلومًا في الجملة أن تقبيله الحجر إنما هو إكرام له وإعظام لحقه وتبرك به وقد فضل الله بعض الأحجار على بعض كما فضل بعض البقاع والبلدان وكما فضل بعض الليالي والأيام والشهور وباب هذا كله التسليم وهو أمر سائغ في العقول جائز فيها غير ممتنع ولا مستنكر. وقد روي في بعض الحديث أن الحجر يمين الله في الأرض والمعنى أن من صافحه في الأرض كان له عند الله عهد فكان كالعهد تعقده الملوك بالمصافحة لمن يريد موالاته والاختصاص به وكما يصفق على أيدي الملوك للبيعة، وكذلك تقبيل اليد من الخدم للسادة والكبراء فهذا كالتمثيل بذلك والتشبيه به والله أعلم.

.ومن باب الطواف الواجب:

قال أبو داود: حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن وهب أخبرنا يونس عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طاف في حجة الوداع على بعير يستلم الركن بمحجن».
قلت: معنى طوافه على البعير أن يكون بحيث يراه الناس وأن يشاهدوه فيسألوه عن أمر دينهم ويأخذوا عنه مناسكهم فاحتاج إلى أن يشرف عليهم وقد روي في هذا المعنى عن جابر بن عبد الله.
وفيه من الفقه جواز الطواف عن المحمول وإن كان مطيقا للمشي.
وقد يستدل بهذا الحديث من يرى بول ما يؤكل لحمه طاهرا لأن البعير إذا بقي في المسجد المدة التي يقضى فيها الطواف لم يكد يخلو من أن يبول فيه فلو كان بوله ينجس المكان لنزه المسجد عن إدخاله فيه.
والمحجن عود معقف الرأس مع الراكب يحرك به راحلته.

.ومن باب الاضطباع في الطواف:

قال أبو داود: حدثنا محمد بن كثير حدثنا سفيان عن ابن جريج عن ابن يعلى عن يعلى قال: «طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم مضطبعا ببرد أخضر».
قلت: الاضطباع أن يدخل طرف رداءه تحت ضبعه والضبع العضد وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه جعلوا أطراف أرديتهم تحت آباطهم ثم ألقوها على الشق الأيسر من عواتقهم.

.ومن باب الرمل:

قال أبو داود: حدثنا أبو سلمة موسى بن إسماعيل حدثنا حماد أبو عاصم الغنوي، عَن أبي الطفيل قال: «قلت لابن عباس يزعم قومك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رمل بالبيت وإن ذلك سنة، قال صدقوا أو كذبوا قلت ما صدقوا وما كذبوا، قال صدقوا قد رمل رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذبوا ليس بسنه أن قريشا قالت زمن الحديبية دعوا محمدًا وأصحابه حتى يموتوا موت النغف فلما صالحوه على أن يجيئوا من العام المقبل فيقيموا بمكة ثلاثة أيام فقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم والمشركون من قبل قُعيقعان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه أرملوا بالبيت ثلاثا وليس بسنة، قلت يزعم قومك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طاف بين الصفا والمروة على بعير وأن ذلك سنة قال صدقوا وكذبوا قلت ما صدقوا وما كذبوا، قال صدقوا قد طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الصفا والمروة على بعير وكذبوا ليست بسنة وكان الناس لا يدفعون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يضربون عنه فطاف على بعير ليسمعوا كلامه وليروا مكانه ولا تناله أيديهم».
النغف دود يسقط من أنوف الدواب واحدتها نغفة يقال للرجل إذا استحقر واستضعف ما هو إلاّ نغفة.
وقوله ليس بسنة معناه أنه أمر لم يسن فعله لكافة الأمة على معنى القربة كالسنن التي هي عبادات ولكنه شيء فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم لسبب خاص وهو أنه أراد أن يرى الكفار قوة أصحابه وكانوا يزعمون أن أصحاب محمد قد أوهنتهم حمى يثرب ووقذتهم فلم يبق فيهم طرق.
قال أبو داود: حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا عبد الملك بن عمرو حدثنا هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن أبيه قال: سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول فيم الرملان اليوم والكشف عن المناكب وقد أطأ الله الإسلام ونفى الكفر وأهله مع ذلك لا ندع شيئا كنا نفعله على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قوله: أطأ الله الإسلام إنما هو وطأ الله أي ثبته وأرساه والواو قد تبدل همزة.
وفيه دليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم قد يسن الشيء لمعنى فيزول ذلك المعنى وتبقى السنة على حالها. وممن كان يرى الرمل سنة مؤكدة ويرى على من تركه دما سفيان الثوري، وقال عامة أهل العلم ليس على تاركه شيء.

.ومن باب الدعاء في الطواف:

قال أبو داود: حدثنا ابن السرح حدثنا سفيان، عَن أبي الزبير عن عبد الله بن باباه عن جبير بن مطعم يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم قال الفضل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يا بني عبد مناف لا تمنعوا أحدا يطوف بهذا البيت ويصلي أي ساعة شاء من ليل ونهار».
قلت: استدل به الشافعي على أن الصلاة جائزة بمكة في الأوقات المنهي فيها عن الصلاة في سائر البلدان. واحتج له أيضًا بحديث أبي ذر وقوله: «إلا بمكة» فاستثناها من بين البقاع.
وذهب بعضهم إلى تخصيص ركعتي الطواف من بين الصلوات، وقال إذا كان الطواف بالبيت غير محظور في شيء من الأوقات وكان من سنة الطواف أن تصلى الركعتان بعد فقد عقل أن هذا النوع من الصلاة غير منهي عنه.
وقد تأول بعضهم الصلاة في هذا الحديث على معنى الدعاء ويشبه أن يكون هذا معنى الحديث، عَن أبي داود ويدل على ذلك ترجمته الباب بالدعاء في الطواف.

.ومن باب الطواف بين الصفا والمروة:

قال أبو داود: حدثنا القعنبي عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه قال: «قلت لعائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم وأنا يومئذ حديث السن أرأيت قول الله تعالى: {إن الصفا والمروة من شعائر الله} [البقرة: 158] فما أرى على أحد شيئًا ألا يطوف بهما قالت عائشة كلا لو كان كما تقول كانت: (فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما) إنما أنزلت هذه الآية في الأنصار كانوا يهلّون لمناة وكانت مناة حذو قديد وكانوا يتحرجون أن يطوفوا بين الصفا والمروة فلما جاء الإسلام سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فأنزل الآية».
قال أبو سليمان قد أعلمت عائشة السبب في نزول الآية بنفي الحرج وأن المعنى في ذلك لم ينصرف إلى نفس الفعل لكن إلى محل الفعل، وذلك أنهم كانوا يعبدون في تلك البقعة الأصنام فتحرجوا أن يتخذوها متعبدًا لله تعالى، والأنصاب إن كان هذا اللفظ محفوظا جمع النصب وهو ما ينصب من الأصنام فيعبد من دون الله تعالى إلاّ أن في أكثر الروايات الأنصار، وكانت عائشة ترى أن السعي بين الصفا والمروة فرض، وإليه ذهب مالك والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه.
وروي عن ابن عباس أنه قال السعي بين الصفا والمروة تطوع وكذلك قال ابن سيرين وإليه ذهب سفيان الثوري وأصحاب الرأي، وقال سفيان من تركه فعليه دم وقال أصحاب الرأي أن تركه ناسيا جبر بدم.
قال أبو داود: حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي وعثمان بن أبي شيبة وهشام بن عمار وسليمان بن عبد الرحمن الدمشقيان وربما زاد بعضهم على بعض الكلمة ونقص، قالوا حدثنا حاتم بن إسماعيل أخبرنا جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد الله وساق الحديث الطويل في قصة حج النبي صلى الله عليه وسلم فالتقطت منه مواضع الحاجة إلى التفسير والتأويل وتركت سائره اختصارا وكراهة للتطويل قال: «إن رسول الله صلى الله عليه وسلم مكث تسع سنين لم يحج ثم أذن في العاشرة. أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حج فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرجنا معه حتى أتينا ذا الحليفة فولدت أسماء بنت عميس محمد بن أبي بكر فأرسلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف أصنع قال اغتسلي واستثفري بثوب وأحرمي فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد ثم ركب القصواء حتى استوت به ناقته على البيداء أهل بالتوحيد لبيك اللهم لبيك قال جابر لسنا ننوي إلاّ الحج لسنا نعرف العمرة حتى إذا أتينا البيت استلم الركن فرمل ثلاثا ومشى أربعا ثم تقدم إلى مقام إبراهيم فركع ركعتين ثم رجع إلى البيت فاستلم الركن ثم خرج من الباب إلى الصفا. فلما دنا منه قرأ: {إن الصفا والمروة من شعائر الله} [البقرة: 158] نبدأ بما بدأ الله به فبدأ بالصفا فرقي عليها حتى رأى البيت وكبر الله ووحده وقال لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير، لا إله إلاّ الله وحده أنجز وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده ثم دعا بين ذلك. وقال مثل هذا ثلاث مرات ثم نزل إلى المروة فذكر سعيه بينهما حتى إذا كان آخر طواف على المروة قال إني لو استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي ولجعلتها عمرة فمن كان منكم ليس معه هدي فليحلل وليجعلها عمرة فحل الناس كلهم وقصروا إلا النبي صلى الله عليه وسلم ومن كان معه هدي فقام سراقة بن جعشم فقال يا رسول الله ألعامنا هذا أم للأبد فشبك رسول الله صلى الله عليه وسلم أصابعه في الأخرى ثم قال دخلت العمرة في الحج هكذا مرتين لا بل لأبد أبد لا بل لأبد أبد، قال وقدم علي رضي الله عنه من اليمن ببدن النبي صلى الله عليه وسلم فقال له النبي صلى الله عليه وسلم ماذا قلت حين فرضت الحج، قال: قلت اللهم إني أهل بما أهل به رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فإن معي الهدي فلا تحلل وساق الحديث إلى أن قال فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم عرفة فنزل بها حتى إذا زاغت الشمس أمر بالقصواء فرحلت له حتى أتى بطن الوادي فخطب الناس فقال إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا، إلاّ أن كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع ودماء الجاهلية موضوعة وأول دم أضعه دماؤنا قال عثمان دم ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب وربا الجاهلية موضوع وأول ربا أضعه ربا العباس بن عبد المطلب اتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله وإن لكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه فإن فعلن فاضربوهن ضربا غير مبرح وساق الحديث إلى أن قال، ثم أذن بلال ثم أقام فصلى الظهر ثم أقام فصلى العصر لم يصل بينهما شيئًا ثم ركب القصواء حتى أتى الموقف فلم يزل واقفا حتى غربت الشمس وذهبت الصفرة قليلا فدفع وقد شنق للقصواء الزمام حتى أن رأسها ليصيب مورك رجله ويقول بيده اليمنى السكينة أيها الناس السكينة كلما أتى حبلا من الحبال أرخى لها قليلا حتى يصعد حتى أتى المزدلفة فجمع بين المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين قال عثمان ولم يسبح بينهما شيئا. قالوا ثم اضطجع حتى طلع الفجر فصلى الفجر حين تبين له الصبح ثم ركب القصواء حتى أتى المشعر الحرام فرقي عليه فاستقبل القبلة فحمد الله وكبره وهلله فلم يزل واقفا حتى أسفر جدًا ثم دفع قبل أن تطلع الشمس حتى إذا أتى محسرًا فحرك قليلا ثم سلك الطريق حتى أتى الجمرة ورماها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة ثم انصرف إلى المنحر فنحر بيده ثلاثا وستين وأمر عليا فنحر ما غبر وأشركه في هديه ثم أمر من كل بدنه ببضعة فجعلت في قدر فطبخت فأكلا من لحمها وشربا من مرقها ثم أفاض» وذكر بقية الحديث.
قوله: «مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم تسع سنين ثم أذن في العاشرة» فيه دليل على أن فرض الحج ليس على الفور والتعجيل وأنه أمر يدخله المهلة ويجوز تأخيره عن أول وقت وجوبه، ولو كان الأمر به على الفور لم يجز له صلى الله عليه وسلم تركه للحج طول هذه المدة وقد كان ظاهرًا بالمدينة يمكنه الخروج غير مصدود عنه إلاّ في بعض الأوقات فلم يفعل ذلك إلاّ في السنة العاشرة.
وفي قوله لأسماء وهي نفساء لم تتعل من نفاسها «اغتسلي واستثفري» دليل على أن من سنة المحرم الاغتسال، وإن الحائض إذا أرادت الإحرام اغتسلت له كالطاهر. ومعلوم أن الاغتسال لا يصح من النفساء ولكن أمرها أن تفعل ذلك اقتداء بالطواهر أو تشبها بهن. والتشكل بأشكال العبادات ممن لا تصح منه العبادة موجود في مواضع من الأصول وقد أمر صلى الله عليه وسلم الأسلميين بصوم بقية النهار من يوم عاشوراء وكانوا مفطرين صدر ذلك اليوم، والصبي مأمور بالصلاة وهي غير لازمة وقد يصلي المصلوب على الخشبة والمحبوس في الحش أو نحوه وإذا قدر على الصلاة أعادها.
والاستثفار أن تحتجز بثوب وتشده على موضع الدم ليمنع السيلان وهو مشبه بثفر الدابة، والقصواء اسم ناقته وسميت قصواء لما قطع من أذنها، يقال قصوت الناقة فهي مقصوة وقصواء وكان القياس أن يقال في الذكر أقصى فلم يقولوه وإنما جاء في نعت المؤنث خاصا.
وفي قوله لما قرأ: {إن الصفا والمروة من شعائر الله} [البقرة: 158] «نبدأ بما بدأ الله» به دليل على أنه قد اعتبر تقديم المبدأ بذكره في التلاوة فقدمه وأن الظاهر في حق الكلام أن المبدوء بذكره مقدم في الحكم على ما بعده.
وفيه دليل على أن الطائف إذا بدأ بالمروة على الصفا كان ذلك الشوط ملغى غير معتد به.
وقوله: «لو استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي ولجعلتها عمرة» إنما هو استطابة لنفوس أصحابه لئلا يجدوا في أنفسهم أنه يأمرهم بخلاف ما يفعله في نفسه. وفيه بيان جواز الأمرين جميعا وأنه لولا ما سبق من سوقه الهدي لحل معهم إلاّ أن السنة فيمن ساق الهدي أن لا ينحره إلاّ بمنى، وقد تقدم الكلام في هذا الباب وهل كان ذلك فسخا لإحرامهم في الحج أو كان الإحرام وقع مبهما على انتظار القضاء ونزول الوحي فيه فأغنى ذلك عن إعادته هاهنا.
وقول سراقة ألعامنا هذا أم للأبد يدل على وجوب العمرة ولولا وجوب أصله لما توهموا أنه يتكرر ولم يحتاجوا إلى المسألة عنه.
وقوله: «دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة» قد تقدم ذكره وقلنا أن المراد به دخولها في وقت الحج، وكانت قريش لا تعتمر إلاّ في أشهر الحج وقيل دخل أفعالها في أجزاء أفعال الحج فاتحدتا في العمل فلا يطوف القارن أكثر من طواف واحد لهما وكذلك السعي كما لا يحرم لهما إلاّ إحرامًا واحدًا.
وقوله في وضع دماء الجاهلية ورباهم فإنما بدأ في ذلك بأهل بيته ليعلم أنه حكم عام في جماعة أهل الدين ليس لأحد فيه ترفيه ولا ترخيص.
وفيه دليل على أن الإسلام يلقى الماضي من أحكام الكفر بالعفو والباقي بالرد وهو باب كبير من العلم وقد أشبعت بيانه في كتاب البيوع.
وقوله: «استحللتم فروجهن بكلمة الله» فيه وجوه أحسنها أن المراد به قوله: {فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان} [البقرة: 229].
وقوله: «إن لكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه» فإن معناه أن لا يأذن لأحد من الرجال يدخل فيتحدث إليهن. وكان الحديث من الرجال إلى النساء من عادات العرب لا يرون ذلك عيبا ولا يعدونه ريبة، فلما نزلت آية الحجاب وصارت النساء مقصورات نهى عن محادثتهن والقعود إليهن، وليس المراد بوطء الفرش هاهنا نفس الزنا لأن ذلك محرم على الوجوه كلها فلا معنى لاشتراط الكراهية فيه ولو كان المراد به الزنا لكان الضرب الواجب فيه هو المبرح الشديد والعقوبة المؤلمة من الرجم دون الضرب الذي ليس بمبرح.
وفيه من الفقه إن صلاتي الظهر والعصر تجمعان بأذان واحد وإقامتين وكذلك المغرب والعشاء تجمعان بالمزدلفة مثل ذلك.
وفيه أن السنة أن يقف الإمام بالموقف إلى أن تغرب الشمس ثم يفيض.
وقوله: «شنق لها» معناه كفها بزمامها والحبال ما كان دون الجبال في الارتفاع واحدها حبل.
وفيه أن الدفع من المزدلفة إنما هو قبل طلوع الشمس. وكان أهل الجاهلية يقفون بها حتى تطلع الشمس ويقولون أشرق ثبير كيما نغير.
وفيه أن التكبير عند رمي الجمار سنة وذلك أن التلبية تقطع عند رميها فيكون التكبير بدلا عنها.
وفيه أن ذبح الرجل نسيكته بيده مستحب وقد قيل في نحر النبي صلى الله عليه وسلم بيده ثلاثا وستين بدنة أنه إنما بلغ بها هذا العدد لأن سنه كان بلغ عامئذٍ ثلاثًا وستين لتكون لكل سنة بدنة والله أعلم.